شيخ المشقدفين"....!
شخصية من إبتكار صديقي ابن الركية علي ثابت يوظفها في كتاباته عندما يريد أن ينتقد ظاهرة ما سلبية ، وما أكثر الظواهر السلبية في حياتنا الراهنة التي يحيط بها من كل الجوانب كل ماهو سيء، وكلها بلا استثناء تستحق النقد والنقد الشديد جداً بلا هوادة. بل قل انها من الكثرة بحيث لم يعد في حياتنا البائسة مالايستحق النقد والشقدفة! بدءًا من الفساد بكل تدرجاته من سرقة المال العام إلى سرقة الوقت، إلى سرقة لقمة العيش من أفواه الفقراء ،إلى انعدام الماء والكهرباء والرواتب، والتعليم والصحة، وتفشي الغلاء، والوباء، والمخدرات وتدني العُملة ، وقيمة الإنسان !!..
لا ادري من أين عثر صديقي ابن الركية على هذه الشخصية المُثيرة، ومتى ؟لكنه يصوره على النحو التالي في واحدة من كتاباته الصباحية الرائعة التي يبدأها بصباح الخير ياوطني ويختمها بأحبك ياوطني : " شيخ المشقدفين، مواطن جنوبي أصيل قضى أكثر من خمسة و أربعين عاماً أو يزيد في خدمة وطنه ثم أضحى ذات يوم "مهمش" اً،والأدهى من كل ذلك أنه شريد، بمعنى (مُطارد)
..شريد من مُتطلبات أسرته التي كل يوم تزيد، شريد من بائع الخضار والفواكه ومن بائع السمك و صاحب البقالة، شريد من شدة الحرارة وانقطاع الكهرباء و المياه، شريد من كل متطلبات الحياة و يرتعد خوفاً إن أصيب هو أو أحد افراد أسرته بوعكة ولو بسيطة ، فليس في قدرته الذهاب إلى طبيب او شراء حقنة وريد.. الكارثة ان لا أحد يلتفت إليه، لا شرعية ولا انتقالي و لا منظمات إنسانية أو حتى شيطانية..."!
شخصية من لحم ودم وأعصاب ومهموم ومهضوم لاينقصها إلا أن تتحول على يد فنان ورسام ماهر إلى أيقونة كاريكاتورية مثل ( حنظلة) الأيقونة الفلسطينية التي ابتدعها رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي وصارت بمثابة التوقيع الذي يوقع به رسومه وقدمها لأول مرة في صحيفة (السياسة) الكويتية.سنة 1969م لكنه ولد كما يقول ناجي العلي بعد هزيمة يونيو 1967م ، وهو رمز الفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه، وشاهد على الأحداث ولايخشى أحداً، تماماً كشيخ مشقدفي ابن الركية رمز المواطن الجنوبي المعذب الذي تحيط به الصعاب من كل مكان ، ورغم ذلك يظهرصبراًوقوة وقدرة على الاحتمال ، ويعيش الأحداث هو الآخر وينتقد الواقع بسخريةبكل مايحتويه من سلبيات وظلم شديدين.
فن الكاريكاتير كما هو معروف يعتمد على رسم صورة ساخرة تمتاز بالبساطة والحرية والتمرد على الرسم الأكاديمي. كمايمتاز بسرعة نقل الفكرة للقاريء أو المشاهد بهدف إظهار العيوب بصورة ساخرة لاذعة مع بعض المُبالغة. لكن في في ظروفنا الراهنة فإن الواقع هو الذي يبالغ في تعذيبنا بصورة تراجيدية مُهينة !!
يستخدم ابن الركية شخصية " شيخ المشقدفين " بمهارة فائقة في نقده لأوضاع المجتمع السلبية كمبضع جراح ماهر...كل ماتحتاجه هو رسام كاريكاتير فنان ومبدع مثل عدنان جمن الذي بدأ حياته الفنية كرسام كاريكاتير في سن مبكرة في صحيفة"14 اكتوبر" في مطلع سبعينيات القرن الماضي ( وتحديدا في عام 1972م عندما كنت مديراً للتحرير لكنه هجره بعد ذلك إلى الفن التشكيلي حتى غدا واحداً من أشهر الفنانين التشكيليين بلوحاته ورسوماته. وربما تستفزه شخصية ( شيخ المشقدفين ) فيبدع لنا أيقونةكاريكاتيرية من العيار الثقيل تدخل عالم الكاريكاتير في عدن وتكون إضافة إلى رسامي الكاريكاتير العرب. وتظل حقوق الابتكار محفوظة لصديقي ابن الركية علي ثابت الذي أعده كاتباً ساخراً. ومن أشهر كتاب السخرية العالميين جورج برنادشو ، ومارك توين، وعزيز يسن ، ومن العرب محمود السعدني ، أحمد رجب ، جلال عامر ، محمد عفيفي ، محمد الماغوط . صالح الدحان، عبدالكريم الرازحي، وسعيد عولقي. واضم إلى هذه القائمة عوض سالم ربيع وعلي ثابت ( ابن الركية ).
بينما من أشهر رسامي الكاريكاتير العرب صاروخان، صلاح جاهين، رخا ، عبدالسميع، محمد حاكم ، علي فرزات ، ناجي العلي . مصطفى حسين ، عمر عبداللات، رشاد السامعي ، وعدنان جُمن .
وهذه بعض النماذج لكتابات صديقي ابن الركية علي ثابت التي يظهر فيها شيخ المشقدفين في عمق الأحداث ناقداً ومشقدفاً كل ماهو سلبي وسيء في حياتنا الراهنة.
نموذج رقم (1):
لا أدري ، هل نحن نقترب من ميناء الوصول، أم عنه نبتعد كثيراً . ؟ أحيانا يخال لي ان السفينة واقفة في مكانها لا تراوحه ابداً ، رغم أني اسمع ضجيج المحركات تهدرُ في أعماق البحر الهائج .
هل الربان مبتدئي في علوم الإبحار ، ام ان البحارة لا يطيعون أوامر القبطان . ؟
. ثروات البلد بيد غيرنا ومفاصل السلطة لا نعرف من يديرها .
الكل يملك (هراوات) والكل لديه من يشجعه ولديه من يدعمه ويموّنه، وجميعهم ليس بيدهم زمام أمرهم .
فهل نحن اقتربنا ام نحن كثيراً نبتعد ؟
شيخ المشقدفين علق ساخراً : السفينة تمشي "ريوس" يا أبن الركية.
نموذج رقم ( 2)
أمس، بعد العصر و قبل أن ينشط النامس و يقوم بمهامه القتالية، فتحت الشباك لعل نسمة هواء تدخل عليا، و يتجدد معها مخزون الأوكسجين في الغرفة ،فالميعاد لعودة التيار الكهربائي لازال فيه ساعة و نصف من الوقت.... أطللت برأسي ، فإذا بجاري شيخ المشقدفين يرد عليا السلام فهو في الشباك مثلي... ردّ السلام و هو يضحك فقلت له مالك... قال الملاريا وحمى الضنك خلتنا مكالف و الكهرباء لحمنا بسببها تالف.
قلت له ما شاء الله : يعني معك لحم ؟؟.... ردّ ساخراً وفي الوقت ذاته غاضباً: أيش من لحم وايش من مرق، مافيش معانا غير العرق ولحم أجسادنا رجع زي الورق ، ورق الصنفره أبوأسد....تحك ظهرك بالجدار على طول يقشر الرنج و المعجون.... قلت لعلك تتهم الحكومة ؟... ايش من حكومة وايش من قيادة كلهم سرق.
المهم انا أشعلت حبة سيجارة، وفي تلك الأثناء مرت سيارة كأنها دبابة و بعدها اطقم حنانة ونانة....
قال لي شيخ المشقدفين أعرفته.؟ قلت له من تقصد، قال أبو مرجانة أول أمس كان يلعب بالدرهانة..... فقلت له الحمدلله ربي يعلي شأنه.....
زعل شيخ المشقدفين، وقال لي بعصبية:
هيا منه دا الكلام و عادكم تشتوا البلاد تتسانه. (قصده تتصلح) إنما باللغة الفصحى. اقولك هذا عمره ما مسك بانة ولا يعرف حتى يكتب( لبانة)...
رديت عليه الجنوب قادم والبلاد بالخير مليانة.
قال باين عليك تشتينا أقفز لك من الطاقة... زعل مني وبند شباكه،..... و في الحقيقة هو ما زعل مني بس الكهرباء ولّعت و الحجة حقه شغّلت المكيف عشان كذا بند الطاقة.
نموذج رقم ( 3):
كعادتي، كل مساءً أنزل إلى البقالةِ لشراء باكت سيجارة فكل خوفي أن ينفد مخزون دخاني، رغم أني أعلم إنّ منه كل أوجاعي و منه احتمال مماتي ... لكنني أجد في السجارة مع كل نفخة تفريج عن همومي و آهاتي أو هكذا يُخيل لي كما تتخيل لي أوهامي. فمع كل نفخة أطيح بأعدائي و اطردهم بعيداً عني و عن داري واشعر بنشوة نصر حين أدوس على أعقاب السجائر كأني أدوس على رؤوس أعدائي...
وجدت عند البقالةِ صديق عمري و العارف جيداً بحالي شيخ المشقدفين فهو من رفاقي و من أمثالي، وجدته كعربة قطار تسير بمحرك بخاري ،يتصاعد منه عالياً عمود من الدخانِ.... صحت فيه و يحك ما هذا الذي تنفثهُ في الهواء، و دون إجابة منه عرفت إنه مغرّز في وحل الديون ، وكل محاولات خروجه باتت مستحيلة و باءت بفشلٍ ذريع ولا أحداً لحاله و حال أمثاله يبالي....
حاولت أن اخفف عنه فرّبت بيدي على كتفهِ و قلت : أما سمعت بن بريك يقول أنه مُزمع على إنزالِ خطةً إنقاذ لانتشال البلاد.؟؟؟؟
ضحك شيخ المشقدفين، و ظننته فرحاً، لكنه قال لي : ليتهم يُنزّلون خبطة لأنتشالي ، فأنا أموت جوعاً أنا و كل أولادي. ليتهم يقدّمون لي ديناً ثم يخصمونه من رواتبي المحتجزة منذ حكومة معين و بن هادي....... قلت له صل على النبي محمد ، انهم يفكّرون بانتشال كل البلاد.... ضحك مرة أخرى و قال : عرفت كثيرين مثله، ( ينشلون ) البلاد و ما نظروا أبداً لحالي و حال أولادي ومحاولة إنتشالي وإنقاذي.
انموذج رقم (4):
صديقي ورفيق دربي شيخ المشقدفين، بكر اليوم من صبح الله قارح، قال يا ابن الركية : شعها قدها بالنخر،، الحال ضابح و انا اشوف الكثير من أصحابي قد هبوا وتركوا الدنيا والمطارح ، و اعتقد إن من مات هو فينا الفالح.... قلت له أستبشر بالخير يا صديقي، فقريباً سيكون الحال صالح...
ضحك و الآه تسبق ضحكته و تصبغها بلون قالح، قائلاً: ما فالح إلا من ترك البلاد أو يتحكم في المصالح، أما أنا و انت فحالنا إلى أبعد الحدود اسود و كالح، وكلما برز في الوجود بيننا رجل أراد أن يقاوم او يكافح لقطوه كما تُلتقط صيصان الدجاج من قبل الصقورالجوارح
...... كل القيادات اضحت كالممثلين نشاهدهم على شاشات التلفاز أو على خشبات المسارح، منهم من يربط على رأسه الوشاح أو على رقبته كرفتة ابو تمساح و نظارات سوداء كأنه سائح ويغرد لنا انه لأرض الجنوب لن يبارح و لمن اعتدى على الجنوب غير مسامح...
لقد تعبنا كثيراً و كثيراً جداً ما نطافح... نطافح بعد لقمة أولادنا و بعد الماء و الكهرباء و بعد الأسعار و الغلاء و بعد حقوقنا و رواتبنا و بعد و بعد..........
أعاهدك يا صديقي يا ابن الركية اني لأرض الجنوب ولك ولكل الشعب الكادح مخلص ولن اتخلى عنكم ولن أبارح.
...........
.الكريمي اليوم يقولون بابه فاتح .... شي معانا راتب ولا قرحت علينا القوارح .
■□
بيني وبين ابن الركية تاريخ طويل من الصداقة والود والإعجاب المتبادل يعود إلى عدة سنوات خلت، لم نلتق خلالها ولامرة واحدة وجهاً لوجه ، رغم أننا كنا في ذات المدن والزمن ، وأحيانا قريبين من بعضنا في السكن والمطارح. لكن تجمعنا أشياء كثيرة مشتركة ، أولهاهذا الحب لمدينتنا عدن إلى حد الشغف ، إلى حد الغيرة، والخوف عليها من كل شيء ، وفي السنوات الأخيرة ازداد خوفنا عليها ، كما ازداد حبنا لها أكثر ! وثانيها إنه معجب بكتاباتي الأدبية ويتابعها عن كثب ، ولايخفي هذا الإعجاب ويظهره في كل وقت منذ بدأت اكتب سلسلة مقالاتي ( ذات عدن..ذات زمن ) في موقع "صوت عدن" الإلكتروني لصاحبته الأستاذة ضياء سروري، وفي صحيفة (الأيام) العدنية والتي أصدرتها مؤخراً في كتاب بعنوان ( عدن ذات زمن ) . وبالمقابل أنا معجب كبير بكتاباته الساخرة والناقدة للأوضاع والفساد والسلبيات، وليس كل كاتب يملك هذه القدرة على الكتابة الساخرة، وكتاب السخرية قليلون في العالم وفي الوطن العربي ، واليمن وعدن على الأخص. كما أنني معجب بقدرته على الاختزال والوصول إلى فكرته وإيصالها إلى القاريء بسرعة وبأقل الكلمات، وهذه ميزة أخرى ليست متاحة لكل كاتب. وكتاب الأعمدة قليلون أيضاً.
ابن الركية علي ثابت ، ابن يافع أرض الجبال وجبل مُحرم الذي يشتاق إليه أينما يكون طفلاً وشيخاً . أرض الرجال وسرو حمير ، أرض البُن والجَمال . ولكنه أيضا ابن المدينة عدن منذ وطئيتها قدماه في ستينيات القرن الماضي بكل مافي عدن من سحر وبحر وحياة مدنية وروح المدينة ، ومن ذا لايحب عدن ؟؟؟ وقد أبهرته مثلما أبهرتني ، وأحبها مثلما أحببتها، ولانزال على الحب والوفاء باقيين . عن حياته في عدن يقول: "من المفارقات العجيبة والغريبة أيضاً اني يا اخي العزيز محمد قد درست في تلك الفترة التي ذكرتها عن مجيئك للعيش في معسكر الليوي ... قد كنت انا ادرس في مدرسة الثقافة العسكرية التابعة لجيش الاتحاد العربي . وقد كان والدي الله يرحمه ثابت محمد قحطان ( ثابت الركية ) قائداً لهذا المعسكر ( قائد جناح التدريب لجيش الاتحاد ). نجح علي ثابت بتفوق في كلية عدن والهندسة والعلوم العسكرية في أقصى روسيا في كاليننجراد بامتياز مع مرتبة الشرف الذهبية. وعمل في سلاح مهندسي جيش جمهورية اليمن الديمقراطية ، وبعد الوحدة ماعرف بدائرة الهندسة العسكريةثم بعد حرب صيف العام 1994م الظالمة ضد الجنوب أحيل إلى حزب (خليك في البيت )بعد تسريح جيش الجنوب ومعهم آلاف المدنيين من وظائفهم والذين شكلوا فيما بعد نواة الحراك السلمي الشعبي الجنوبي ....
علي ثابت" ابن الركية" من سلاح الهندسة إلى سلاح القلم، قلم مثقف ، وقد قرأت له بعض ترجماته لقصائد روسية إلى العربية لمست فيها روحه الشاعرة ..ساخر ، صريح وصادق
،لايحيد عن الوقوف مع المواطن الكالح في معاناته الشديدة ، ولاعن أن يصرخ بأعلى صوته بكلمة الحق في وجه من يظلمه لايخشى في ذلك لومة لائم .
احبك ياوطني ..
احبك ياابن الركية علي ثابت.