لم يكن الانقسام الذي شهده مجلس الامن الدولي، يوم الجمعة الماضي خلال التصويت على قرار المملكة المتحدة بتمديد نظام العقوبات المفروض على الافراد والكيانات المرتبطة بالصراع اليمني لمدة عام اضافي مجرد حدث دبلوماسي عابر. فالامتناع اللافت لكل من روسيا والصين عن دعم بعض قرارات العقوبات لا يمكن قراءته بمعزل عن تأثيره المحتمل على مستقبل الصراع اليمني ومسار استعادة الدولة. وهو موقف مثير للجدل، يشير في طياته الى علامة استفهام في لحظة حساسة تتطلب وضوحا كاملا في التعامل مع الملف اليمني. وعلى الحكومة ادراك ذلك والبناء عليه.

العقوبات، رغم الملاحظات المتعلقة بآلياتها وصياغاتها، ليست مجرد اجراء اممي تقني، فهي واحدة من الادوات القليلة القادرة على ضبط السلوك الحوثي والحد من تمدده العسكري والاقتصادي. فقد اثبتت التجربة منذ 2014 أن الحوثيين لا يستجيبون لاي مبادرات سياسية ولا ينخرطون بجدية في التفاوض الا تحت ضغط دولي يحد من مساحة المناورة لديهم. وانطلاقا من هذه الحقيقة، بدا الموقف الروسي–الصيني صادما. ليس لأنه سيغير تلقائيا مسار العقوبات، بل لأنه يوجه رسالة سياسية ستُقرأ في صنعاء بطريقة مختلفة، خصوصا مع الحديث المصاحب للامتناع   على عدم توازن القرار او تسييس العقوبات، وتجاهل استمرار السلوكيات التي فرضت بموجبها العقوبات: اغلاق الطرق، التجنيد القسري، نهب الايرادات، قمع الحريات، تهديد الملاحة الدولية، ورفض كل المقترحات السياسية الجادة.

لاشك بأن المُتوقَّع من العقوبات كبح جماح اي مشروع يهدد استقرار اليمن والمنطقة. وقد اثبتت الفترة الماضية أن اي عملية سياسية بلا ضغط دولي تتحول الى منصة جديدة لمليشيا الحوثي للمماطلة والتحشيد واعادة التموضع والتسليح، ما يؤدي الى مزيد من التدهور في الاوضاع ومعاناة الشعب.

وكان تمديد العقوبات امرا متوقعا، بوصفه جزءا من جهود دولية مستمرة لضبط سلوك جماعة مسلحة فرضت انقلابها على الدولة وتمددت بسبب التراخي في القرارات و المعالجات الاممية التي اجبرت الحكومة الشرعية على الالتزام بها. لكن الموقف الروسي–الصيني في هذا الاجتماع يكشف عن تآكل التوافق الدولي الذي ظل قائما حول اليمن لسنوات، وظهور مقاربات وكأنها تنظر الى اليمن من زاوية المصالح الكبرى اكثر من حاجات السلام. وهنا يتوجب على الحكومة  ان تتوقف امام سؤال جوهري: هل دخل اليمن فعليا دائرة التجاذبات بين القوى الكبرى؟ وكيف يمكن التصرف مع القادم.

أن الانقسام في مجلس الامن يمثل انتكاسة في لحظة حساسة، اليمن فيها أحوج ما يكون الى موقف اممي موحد. لكنه بالمقابل يعد جرس انذار بأن استمرار التباين داخل مجلس الامن سيجعل مسار السلام هشا، ويوسع هامش المناورة امام الاطراف المعرقلة، بينما يدفع الشعب ثمن كل تأخير نحو تحقيق السلام. لذلك فإن وضوح الموقف الدولي  بات ضرورة لإنهاء حرب طال امدها اكثر مما يجب.

وعليه، ينبغي على اطراف الشرعية التعامل مع ما حدث بمسؤولية، وتجاوز الخلافات الجانبية، وتوحيد الصف، والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية ومواجهة الاصلاحات الاقتصادية والتحديات الامنية، وفي مقدمتها التصدي لمليشيات الحوثي. فالوحدة الوطنية والعمل المشترك يظلان السبيل الوحيد لضمان عدم ضياع فرصة استعادة الدولة واستقرار اليمن.