كان أبي من أشدالمعجبين بالفنان المطرب الكبيرمحمد جمعة خان،ويكاد لايمريوم دون أن يستمع إليه أمامن إذاعة عدن،أو راديو جيبوتي من جهاز راديو "فيلبس" يشتغل ببطارية جافة، يصله بسلك طويل "ايريل " حتى يلتقط محطاته المفضلة بوضوح.
وكان لذلك الراديو الدائري مفتاحان، يُداران باليد.واحد
 لفتح الجهاز وإغلاقه، والآخر لإدارة المؤشر نحو  المحطة المطلوبة. وكان أبي- رحمه الله- يحفظ موقع،أو لنقل رقم كل محطةبدقةشديدة. وكان الراديو قد نقل الموسيقى والغناء والأخبار إلى كل بيت.هذا قبل أن يخترع  "الترازستور"، ومن بعده التلفزيون  الذي أضاف نقل الصورة إلى الصوت .
وكان صوت محمد جمعة خان الشجي لايطرب أبي فحسب، بل كان يثير فيه - والحضارم- الحنين والشجن إلى وطنهم البعيد حضرموت، إذ كان ممن دفعته التغريبة الحضرمية التي لم تتوقف يومًا إلى عيرجابو إحدى مُدن شمال الصومال الذي كان مستعمرة بريطانية حتى سنة 1960م، ضِمن اربعة حضارم ، اثنان من بلد أمي غيل باوزير هما عائلة جدي سالم باشطح، وعائلة بن هُمام والأخريتان من بلد ابي الديس الشرقيةوهما عائلة باوزير، وعائلةبحاح .وكان محمد جمعة خان القاسم المشترك بين تلك الأسر الحضرمية وأنيسهم في غُربتهم .
 ماذكرني بجمعة خان في هذا التوقيت بالذات هو الذكرى الثانية والستون لرحيل الموسيقار الكبير  الذي توفي في(25- ديسمبر 1963م. وقد حزن عليه أبي حزنًا عميقًا لم أره على أحدِِ من غير الأهل كما حزن على وفاة المغفور له باذن الله تعالى محمد جمعة خان .
  يذكر الباحث الأستاذ محمد عمر معدان في مقال حديث كتبه بالمناسبة ،ان ميلاد محمد جمعة خان كان في قرية قرن ماجد بدوعن في عام 1900م حيث كان والده يعمل في صفوف الجيش القعيطي على المدفعية، وهو من أصول أفغانية- وماذكره أستاذنا معدان ينفي بصورة قاطعةما هو شائع عن فناننا الكبير بأنه من أصول هندية أو باكستانية- استقدمه السلطان عوض بن عمر القعيطي ضمن من استقدمهم لتقوية وتعزيز جيشه في إطار تكوينه لتثبيت نظامه ومحاربة أعدائه، وأمه من أصلِِ حضرمي اسمها فاطمة يسلم بهيان، له أربعة أخوة من أُمهاتٍِ مختلفة وهم أحمد وعبدالله وعبد القادر وسعيد باستثناء البنات. 
 يصف الأستاذ معدان الفنان خان بأنه يعتبر الكوكب الساري للفن الحضرمي، ومبدع ومهندس الألحان بألوانها المختلفة الطربي والشرحي واللون الهندي  والعوادي. و يعتبر وفاته خسارة على المجتمع العربي عامة والحضرمي خاصة. ويستحضر وفاته وما أشاعته من أجواء حزن، فيورد هذه الصورة لتشييع جنازته المهيب:"بكته كل عين في المُكلاونواحيها .شيع  جثمانه إلى مثواه الأخير بمقبرةيعقوب،وتقدم الجنازة ممثلٌ عن الحكومة القعيطية وبعض رجالات الفكر والأدب والصحافة ورجال المال والأعمال ووجهاء المجتمع وجمع غفير من الجماهير ومحبي فنه". وهذا يدل على المكانة الرفيعة التي كان يحتلها محمد جمعة خان في قلوب الجميع العامة والخاصة ، إذ كان يطرب كل الأذواق ويلقى القبول من كل فئات المجتمع ليس الحضرمي فقط ، بل ان صيته وصوته وصل إلى آفاق بعيدة. يقول عنه المؤرخ المرحوم الأستاذ عبد الرحمن الملاحي: كان ظاهرة فنية حولت الأغنية من إطارها القديم.. الإطار الرتيب ذات النفس الإيقاعي القصير فأعطاه ميزة خاصة مشرقة ،،جاءت على أنقاض مدارس أدبية وفنية سابقة له.  
  الفنان محمدمرشد ناجي  يضع محمد جمعة خان في صفوة (مشايخ الطرب ) في مؤلفه (الغناء اليمني ومشاهيره) وهم:الشيخ سعد عبدالله، الشيخ سلطان بن الشيخ علي، الأمير أحمد فضل بن علي القمندان، الشيخ علي أبوبكر باشراحيل، الشيخ أحمد عبدالله السالمي، الشيخ محمد جمعة خان، الشيخ قاسم الأخفش، الفنان عمر محفوظ غابة، الشيخ صالح عبدالله العنتري، الشيخ إبراهيم محمد الماس، الشيخ عوض عبدالله المسلمي ، الشيخ أحمد عبيد القعطبي، والفنان عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة.
ومن الفنانين الذين تأثروا بالفنان خان وعاشوا في شخصيته الفنية كما ذكر معدان: الفنان الكويتي احمد سنان الذي تدرب على يد المرحوم عازف الكمان الأول في تخت خان سعيد عبداللاه الحبشي فقد أحسن الحبشي تدريب سنان على أداء أغاني خان أحسن تدريب فلسنان تسجيلات خاصة لأغاني خان اقترب منها موسيقىً وأداءًا باختلاف نغمة الصوت. ويعتبر خان من أروع وأقدر العازفين على العود ويمتاز عزفه بالتقنية العالية، إذ يملك الريشة باليد اليسرى وسيطرته باليد اليمنى على الأوتار والتناسق المبهر بين اليدين بالعزف ليصل الى حالة الانتشاء والسلطنة .
 . وقد غنى الفنان خان لكثير من الشعراء على مر العصور إبتداءًا بالعصر الجاهلي ومروراً بالعصر الأموي والعباسي والعصور الحديثة فقد غنى لعنترة بن شداد وعمر بن ابي ربيعة وعمر بن الفارض  والشريف الرضي وليزيد بن معاوية ولأحمد شوقي وابن زيدون وللعيدروس وباحسن وحداد بن حسن وللبهاءالدين زهير ولعبدالله  الخثمعي ولابو العتاهية وسعيد مرجان ويسلم باحكم وعبد الرحمن باعمر وعوض بن السبيتي وتطول القائمة بذكر اسمائهم وآخرهم سيد الشعراء والملحنين حسين ابوبكر المحضار .
 ولمحمد جمعة الكثير من الأغاني معقدة الألحان والتي يصعب إتقان غنائها   أغلب الفنانين المحدثين مثل القصائد المنسوبة ليزيد بن معاوية..ك "جاءت تجر ذيول التيه والعجب هيفاء مياسة الأعطاف كالقضب،، وجاءت مبرقعة فقلت لها اسفري أم وجهك القمر المنير الأزهر.. ورائعة عنترة بن شداد مهفهة بالسحر من لحظاتها..
إذا كلمت ميتاً يقوم من اللحد "وغيرها من الأغاني. 
  ويذكر الأستاذ معدان ان الفنان محمد سالم بن شامخ
 تتلمذ على يد الفنان محمد خان من مغني كورس الى ضارب ايقاع الى فنان شامل. وقد كان بن شامخ مقرباً جدا من الفنان خان واحياناً يعطيه فرصة للغناء ويعزف له العود ليقربه من قلوب الجماهير وقد غنى بن شامخ بعزف محمد جمعة بعض الأغاني اللحجية التي اشتهرت بصوت الفنان الناشئ آنذاك محمد صالح حمدون مثل أغنية ،،سألت العين،، وياباهي الجبين..والى لما متى يبعد وهو مني قريب،،ويدل هذا إلى أبعد مدى ، وإلى أي حد كان الفنان الكبير شديد التواضع، وإيمان بموهبة تلميذه وابنه البار بن شامخ.
 وقد عاش بن شامخ فترة في عباءة محمد جمعة خان وفي نهاية الستينات بدأ يستقل بحاله ليصنع لنفسه شخصية مستقله بذاتها شاعرًا وملحنًا ومطربًا .


رحم الله فناننا ومطربنا الكبير شيخ الطرب محمد جمعة خان واسكنه الفردوس ، وكل الشكر لباحثنا الأستاذ محمد عمر معدان على مقاله الرائع عن الموسيقار الكبير في الذكرى الثانية والستين لرحيله المؤلم والحزين، والذي لم استطع إلا نقل النزر من فيض معلوماته عن فنان عظيم كجمعة خان لايتكرر.